21 مايو.. شرارة الانبعاث الجنوبي وميلاد الوعي التحرري

فؤاد قائد جُباري

 

  في غمرة التحولات السياسية والثورية التي شهدها وطننا الجنوبي في العقود الأخيرة، تبرز ذكرى 21 مايو بوصفها لحظة مفصلية في التاريخ السياسي والثوري للجنوب. لقد مثل إعلان فك الارتباط في العام 1994 حجر الزاوية الذي انطلقت منه القضية الجنوبية كقضية سياسية تحررية ذات مضمون وطني عميق، ارتكزت على إرادة شعبية واضحة لاستعادة الدولة الجنوبية وهويتها التي تآكلت بفعل مسار وحدة 22 مايو 1990 المأزومة، التي تحولت سريعًا من مشروع شراكة إلى واقع من الضم والإقصاء والسيطرة بالقوة، رافقته ممارسات النهب والتنكيل.

  جاء إعلان فك الارتباط – الذي أعلنه الرئيس علي سالم البيض من العاصمة عدن – كرد فعل مشروع على حرب اجتياح الجنوب التي شنتها قوى الشمال، لتكريس واقع الغلبة العسكرية والسيطرة على الجنوب بقوة السلاح والانقلاب على مشروع الوحدة. لقد مثل هذا الإعلان نقطة تحول حاسمة، نقلت النضال الجنوبي من حالة الدفاع السياسي إلى تأسيس قضية ثورية ذات شرعية شعبية واسعة، مهدت الطريق لاحقًا لثورات متعاقبة أبرزها حركة حتم والحراك السلمي في 2007، ثم الانتفاضة المسلحة دفاعًا عن الجنوب في 2015، وما تلاها من تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي كإطار سياسي جنوبي جامع حامل للقضية الجنوبية.

  تكمن أهمية هذا اليوم في ما زرعه من وعي تحرري عميق، أسهم في إعادة صياغة المفاهيم الوطنية، وبلورة إدراك جماهيري بأن الشراكة لا يمكن أن تستمر في ظل الاستبداد، وأن الهوية الجنوبية لا يمكن لها أن تزدهر إلا في كنف سيادة كاملة. لقد أفضى هذا التحول إلى ميلاد جيل جنوبي جديد، مشبع بالوعي السياسي، صامد في وجه القمع، حمل الراية من جيل إلى آخر، وواصل مسيرة التحرير عبر النضال السلمي والمقاومة المسلحة.

  واليوم، وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية، تتجدد ذكرى 21 مايو بوصفها علامة مضيئة على طريق استعادة الدولة، بعدما تحولت القضية الجنوبية إلى مشروع سياسي مطروح بجدية في المحافل الدولية بفضل التضحيات التي رافقت كل مراحل ومحطات الثورة الجنوبية – سلميها ومسلحها – بلغ الجنوب اليوم مستوى متقدمًا من التمكين السياسي والعسكري والأمني تحت راية المجلس الانتقالي الجنوبي، وبدعم من قواه الحية والمؤمنة بالتحرير والاستقلال.


   إن 21 مايو لم يكن مجرد لحظة احتجاج أو إعلان سياسي؛ بل كان بداية حقيقية لثورة متجذرة في الوجدان الجنوبي، ومستمرة كمنارة ترشد درب الاستقلال، وتؤكد أن إرادة الشعوب لا تموت، وأن الجنوب ماض بثقة نحو استعادة دولته وكرامته وهويته، مهما طال الطريق وتعاظمت التحديات، وسيظل هذا التاريخ شاهدًا على أن الجنوب لا يحكم إلا بأهله، ولا يبنى إلا بإرادتهم الحرة.

#الذكرى_31_لفك_الارتباط