القوات المسلحة الجنوبية تعيد الأمل لسكان وادي حضرموت

سيئون / درع الجنوب

 

تنفست مدينة سيئون ووادي حضرموت الصعداء مع بزوغ فجر 3 ديسمبر الجاري، الذي طوى صفحات طويلة من الانفلات الأمني والتوترات التي أرقت كاهل السكان لسنوات بعد طرد عناصر المنطقة العسكريّة الأولى، التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين والحاضنة الأم للتنظيمات الإرهابية في عمق الجنوب الاستراتيجي.

ففي تحول دراماتيكي ومشهد عسكري استراتيجي أعاد رسم خارطة النفوذ في شرق الجنوب، نجحت القوات المسلحة الجنوبية ضمن عملية "المستقبل الواعد"، في بسط سيطرتها الكاملة على مركز الوادي، مطيحةً برهانات القوى التي اتخذت من هذه المنطقة الاستراتيجية منطلقاً لزعزعة الاستقرار وتهريب السلاح والممنوعات.

لم تكن هذه العملية مجرد تحرك عسكري عابر، بل كانت استجابة نبيلة لنداءات شعبية استغاثت من وطأة القمع والترهيب، وتتويجاً لنضال طويل خاضه أبناء حضرموت لانتزاع حقهم في تأمين أرضهم وإدارة مواردهم.

اليوم، ومع انتشار أبطال القوات الجنوبية في شوارع سيئون وتأمين المنشآت الحيوية، يعود الأمل مجدداً ليغمر قلوب الحضارم، مؤذناً بمرحلة من البناء والتمكين، حيث تلوح في الأفق ملامح الدولة الجنوبية الفيدرالية المنشودة التي تضع كرامة المواطن وأمنه فوق كل اعتبار.

عملية "المستقبل الواعد"

شكلت عملية "المستقبل الواعد" التي أطلقتها القوات المسلحة الجنوبية في مطلع ديسمبر الجاري، نقطة تحول مفصلية في مسار تثبيت الأمن والاستقرار في وادي وصحراء حضرموت.

فبعد سنوات من سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى، التي تحولت وفق شهادات ميدانية وسياسية إلى غطاء للجماعات المتطرفة ومنصة لتهريب السلاح لصالح الميليشيات الحوثية، جاء القرار العسكري الحاسم ليعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.

وبشأن الدوافع الميدانية لهذه العملية، قال المتحدث الرسمي للقوات المسلحة الجنوبية، المقدم محمد النقيب، في مطلع ديسمبر، إن العملية تهدف بشكل أساسي إلى "تطبيع الأوضاع وحفظ الأمن والاستقرار"، بالإضافة إلى "قطع خطوط تهريب السلاح للحوثيين والقضاء على الإرهاب".

وأضاف النقيب أن القوات الجنوبية تحركت بمسؤولية وطنية عالية لحماية المواطنين والمنشآت الحيوية التي كانت عرضة للتهديد الدائم.

وفي تعليق سياسي حول هذه التطورات، قال الكاتب والباحث السياسي محمد لحمدي  "إن ما تحقق في وادي حضرموت ليس مجرد انتصار عسكري، بل هو استرداد لسيادة الأرض من قوى ظلت لسنوات تستخدم الوادي كـ (رئة) يتنفس منها الإرهاب والفساد المنظم".

وأشار لحمدي إلى أن انهيار دفاعات المنطقة العسكرية الأولى وانشقاق "كتيبة الحضارم" وانضمامها للقوات الجنوبية يعكس الحقيقة الساطعة بأن هذه القوات كانت غريبة عن نسيج الأرض وهوية الإنسان، وأن القوات الجنوبية هي الحامي الطبيعي والوحيد للمشروع الوطني الجنوبي.

وتحدث لحمدي عن الأهمية الجيوسياسية لهذا الحسم، مؤكداً أن "تأمين سيئون ومطارها الدولي وشارع الستين ونقاط شحوح والسويري، يعني إغلاق الثغرات التي كانت تُستخدم لطعن الجنوب من الخاصرة الشرقية".

وأضاف أن القوات المسلحة الجنوبية أثبتت احترافية عالية في تجنيب المدنيين ويلات الصراع، وهو ما تجلى في دعوات القيادة السياسية للمواطنين بالبقاء في منازلهم حرصاً على سلامتهم أثناء تطهير الجيوب المتمردة.

من جانبه، وفي سياق رصده للأوضاع الميدانية، قال الصحفي طاهر بن سريع: "لقد عشنا لحظات تاريخية ونحن نرى علم الجنوب يرتفع فوق نقاط التفتيش التي كانت يوماً ما مراكز للقمع واحتجاز المتظاهرين السلميين".

وأشار بن سريع  إلى أن عملية "المستقبل الواعد" أعادت الاعتبار لذكرى الاستقلال الوطني، وحولت مطالب الجماهير في ساحات سيئون وتريم إلى واقع ملموس على الأرض.

حضرموت تختار مشروعها الجنوبي

لم يكن الحسم العسكري في الوادي بمعزل عن الحراك الشعبي والمؤسسي الواسع الذي اجتاح كافة محافظات الجنوب. فمنذ اللحظات الأولى لدخول القوات الجنوبية إلى سيئون، توالت بيانات التأييد والمباركة من مختلف القوى الاجتماعية والقبلية والسياسية، مما أكد وحدة المصير والهدف.

وبشأن هذا الزخم الشعبي، قال الكاتب السياسي محمد لحمدي "إن حالة الالتفاف التي رأيناها من السلطات المحلية في محافظات شبوة ولحج والضالع وسقطرى، وصولاً إلى السلطة المحلية في حضرموت نفسها، تمثل استفتاءً علنياً على مشروع الدولة الجنوبية".

وأضاف لحمدي أن انضمام أكثر من 16 وزارة ومؤسسة حكومية في عدن لتأييد خطوات المجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك وزارات سيادية مثل الداخلية والنفط والتعليم، يثبت أن شرعية الإرادة الشعبية هي التي تقود المشهد اليوم.

وأشار لحمدي إلى أن محاولات العرقلة التي مارستها بعض القوى في الرياض لم تنجح في ثني الإرادة الحضرمية، مؤكداً أن "بيان السلطة المحلية بحضرموت الذي صدر من قلب المحافظة كان هو الصوت الحقيقي والمعبر عن تطلعات السكان، بعيداً عن أي ضغوط خارجية".

وتحدث بشأن موقف حلف قبائل حضرموت، قائلاً: "إن مباركة الحلف لعملية المستقبل الواعد ودعوته لتمكين النخبة الحضرمية في كامل المحافظة، يقطع الطريق أمام أي محاولات لتصوير الصراع على أنه قبلي، بل هو صراع بين الحق في الأرض وبين قوى النفوذ والنهب".

وعلى الصعيد الميداني، قال الصحفي طاهر بن سريع: "لقد خرجت مسيرات حاشدة في سيئون ترحب بانتشار القوات الجنوبية، وهي مشاهد تدحض كل الادعاءات التي حاولت تصوير القوات الجنوبية كقوة غريبة". وأضاف بن سريع أن السكان في وادي حضرموت باتوا يشعرون بالأمان لأول مرة منذ سنوات، خاصة بعد توجيهات الرئيس عيدروس الزبيدي بإعلان عفو عام ورعاية الجرحى، مما عزز من روح المصالحة الوطنية.

وأشار بن سريع إلى أن "الاعتصامات المفتوحة في ساحات العروض بعدن والمكلا وسيئون، والتي استمرت لأكثر من ثمانية عشر يوماً، كانت الوقود الشعبي الذي استندت إليه القوات المسلحة في تحركاتها". وأوضح أن تدفق المواكب الجماهيرية من الضالع وأبين ولحج نحو العاصمة عدن والمكلا، عكس لوحة وطنية جنوبية متكاملة ترفض تجزئة الحلول وتتمسك باستقلال الجنوب العربي.

تجفيف منابع الفساد وتأمين الموارد

لم تقتصر مكاسب القوات المسلحة الجنوبية في وادي حضرموت على الجانب الأمني الصرف، بل امتدت لتشمل حماية المقدرات الاقتصادية وتجفيف منابع الفساد التي كانت تقتات على ثروات المحافظة. فعملية تأمين المنشآت النفطية ومكافحة الأنشطة غير القانونية مثلت ضربة قاصمة لشبكات المصالح التي أفقرت المواطن الحضرمي.

وبشأن ضبط الأنشطة غير القانونية، قال الصحفي طاهر بن سريع إن كشف وضبط أربع محطات تكرير نفطية غير قانونية في منطقة الخشعة بوادي حضرموت، كان بمثابة إماطة اللثام عن حجم العبث الذي كان يمارس تحت حماية المنطقة العسكرية الأولى".

وأضاف أن هذه المحطات التي كانت تعود لأشخاص من خارج المحافظة، كانت تنهب موارد الشعب وتستخدم لتمويل أنشطة مشبوهة، وهو ما استدعى تحركاً حازماً من القوات الجنوبية والنيابة العامة.

وتحدث بن سريع عن ملف الخدمات، قائلاً: "لقد عانى سكان الوادي من انقطاع الكهرباء المتعمد وأزمة الوقود نتيجة ممارسات التمرد القبلي المسلح الذي قاده بعض الطامعين في النفوذ، ولكن مع سيطرة القوات الجنوبية وتأمين شركة بترومسيلة ومطار سيئون، بدأت الأمور تعود تدريجياً إلى نصابها".

وأشار إلى أن تطبيع الأوضاع في مطار سيئون وتأمينه بالكامل يمثل رسالة للعالم بأن حضرموت باتت منطقة آمنة ومستقرة تحت حماية أبنائها.

من جانبه، قال الكاتب السياسي لحمدي: "إن الجنوب اليوم يضع يديه على ثرواته ليس من أجل الاستحواذ، بل من أجل التنمية والعدالة". وأضاف لحمدي أن تأييد وزارة النفط والمعادن لقرارات المجلس الانتقالي الجنوبي يعد خطوة استراتيجية تضمن توظيف العائدات لخدمة أبناء المحافظات الجنوبية، وينهي عقوداً من النهب المنظم الذي كانت تمارسه قوى الشمال.

وبشأن الضغوط الإقليمية، أشار لحمدي إلى أن "القضية الجنوبية فرضت نفسها كواقع لا يمكن تجاوزه، والاعتراف السعودي بأنها (قضية عادلة) هو انتصار سياسي يضاف إلى الانتصارات الميدانية".

وأكد لحمدي أن رفض قوات "درع الوطن" الجنوبية للانخراط في أي صدام مع إخوانهم في القوات الجنوبية، رغم الضغوط، أثبت أن اللحمة الوطنية الجنوبية عصية على الانكسار، وأن العدو الوحيد للجميع هو المشروع الحوثي الإيراني والتنظيمات الإرهابية المتخادمة معه.

ولفت السياسي لحمدي إلى أنّ وادي حضرموت اليوم يعيد رسم مستقبل الجنوب، وقال "من هنا انطلقت شرارة التحرير الحقيقية، وهنا سيتحطم كل رهان يحاول إبقاء الجنوب رهينة للتبعية أو الإرهاب".

واليوم، يستمر المشهد الحضرمي في تجسيد إرادة شعب لا يلين، حيث تمتزج تضحيات القوات المسلحة بأرواحها في سبيل تراب الوطن، وتتضح معالم هذا التحول في الاصطفاف الوطني، الذي يعززه دور حضرموت كركيزة أساسية في بناء الدولة الجنوبية الفيدرالية المقبلة.