الشهيد العميد عبدالرحيم علي في ذكرى رحيله التاسعة

درع الجنوب/ تقرير خاص

 

في مثل هذا اليوم، الثاني والعشرين من نوفمبر من العام 2016م، امتدت يد الإرهاب الجبانة لتغتال الشهيد العميد عبد الرحيم علي عبد الله الصماحي أمام منزله في حي عبد العزيز عبد الولي، بعد عودته من عمله في مطار عدن الدولي، منهيةً بذلك مسيرة حياة نضالية زاخرة بالعطاء والتضحية والوفاء لوطنه وشعبه.
واليوم، تحل علينا الذكرى التاسعة لاستشهاد هذا القائد الأمني والمناضل الوطني الجسور، لتذكرنا بأن معركة وطننا الجنوب ضد الإرهاب كانت وستظل مستعرة ومتجددة، طالما هناك من يغذي ويدعم ويُموِّل هذه الجماعات الإرهابية ويسخّرها لتدمير الأوطان والشعوب.

هذه الذكرى تذكرنا أيضاً بالتضحيات الجسيمة التي قدمها أبطال المقاومة الجنوبية وقواتنا المسلحة، وبتلك اللحظات التاريخية الاستثنائية التي عاشتها العاصمة عدن بعد تحريرها في 2015م من مليشيات الحوثي.
فبعد خروجها من تحت سيطرة قوى الاحتلال ومليشياته ومحاولتها النهوض من تحت أنقاض الحروب ودمارها، مثخنة بأزمات مفتعلة وجراحاتها النازفة، وجدت المدينة نفسها مجدداً عالقة بين أذرع أخطبوط الجماعات الإرهابية المتحالفة (القاعدية، الداعشية، الإخوانية، الحوثية).

لقد استغلت هذه الجماعات الإرهابية الفراغ المؤسسي أو بالأصح تدمير مؤسسات الدولة من قبل مليشيات وقوى الاحتلال، وانشغال المقاومة الجنوبية بمعارك التحرير لنشر خلايا الموت والإرهاب، ومحاولة بسط سيطرتها على مؤسسات ومنشآت الدولة والأحياء السكنية والطرق والمنافذ الرئيسية للمدينة، ناشرين أعلامهم السوداء وشعاراتهم الظلامية، محاولين كتم أنفاسها والإجهاز على ما تبقى فيها من مقومات الدولة والحياة المدنية والأمن والاستقرار والتنمية.

خلال تلك الفترة المبكرة من تحرير العاصمة عدن، نشطت جماعات الرعب والموت وجرائم الإرهاب في كل مديريات وأحياء المدينة، التي شهدت أكبر وأوسع عملية اغتيالات طالت قيادات الثورة الجنوبية والحراك الجنوبي والكفاءات السياسية والقيادات العسكرية والأمنية والدينية الوطنية وأبطال المقاومة الجنوبية.

في تلك المرحلة التي خيّم فيها الإرهاب بظلاله السوداء السامة على أجواء عدن، كان البعض يجد المواجهة مع الجماعات الإرهابية ضرباً من المستحيل أو مغامرة أقرب إلى الانتحار. وكان الشهيد ضمن نخبة متميزة استجابت لنداء الواجب الوطني بقيادة الرئيس الزبيدي عندما عُيّن محافظاً لعدن، ومن رجال الأمن الأشدّاء الذين يمتلكون صلابة المواقف والمبادئ وشجاعة العبور فوق جسور الموت ولهيب المعارك.
حينها كانت المعارك اليومية المفتوحة ضد الجماعات الإرهابية وخلاياها تحدياً مفتوحاً ومواجهة مباشرة مع الموت. فكل رجل أمن ومقاتل في هذه المعركة كان يبدأ يومه العملي المعتاد كما لو كانت بداية جديدة للحياة.

في مثل هذه الأجواء اليومية، التي لا تتوقف فيها العمليات الإرهابية والاغتيالات، والمشحونة بالرعب والخوف، كان الشهيد العميد عبد الرحيم علي الصماحي، وككل الوطنيين الشرفاء، يخوض بصمتٍ وشجاعة، وبعيداً عن الأضواء، واحدةً من أعظم وأقدس معارك الجنوب في حماية أمن المواطن ومواجهة الإرهاب وتنظيماته ومليشياته وخلاياه، متسلحاً بالإيمان وبقوة الإرادة وبثقل المسؤولية الوطنية في حماية أمن شعب ومصير وطني.

الشهيد هو عبد الرحيم علي عبد الله محمد يحيى الصماحي، من مواليد قرية الكبار في الضالع في 22 يوليو عام 1964م، وهو أب لولدين وبنت. أكمل تعليمه الأساسي والثانوي بين مدارس الشهيد صالح قاسم، والشهيد الجريذي، والشهيد محمد ناصر أبو عشيم، ومدرسة البلوتاريا في لحج، حيث تخرج من الثانوية عام 1981-1982م.
بعد تخرجه التحق بالخدمة العسكرية، ثم بالكلية العسكرية وتخرج منها عام 1989م. ينتمي الشهيد إلى جيل وطني وجد نفسه في بداية مشواره المهني بعد التخرج يدفع ثمناً باهظاً لقرارات وسياسات غير مدروسة وخاطئة. بعد التخرج من الكلية العسكرية تم نقله إلى شرطة النجدة بقيادة اللواء الركن فضل محسن العنشلي (رحمه الله) حتى مايو 1990م، ثم عُيّن في البحث الجنائي لشرطة خور مكسر حتى عام 1994م.
غادر البلاد هو ومجموعة من الضباط والقادة العسكريين الجنوبيين إلى خارج الوطن حتى عاد عام 2002م.

لقد كانت حرب غزو واحتلال الجنوب صيف 1994م، وما تلاها من استشراء لسياسات الاستعباد والتنكيل والإفقار الممنهج، ومحاولات طمس هوية الشعب الجنوبي وتاريخه، بمثابة زلزال وطني أيقظ أبناء الجنوب من أحلامهم الطوباوية الوحدوية، ووضعهم على أعتاب مرحلة تاريخية نضالية جديدة، بدأت بوضع اللبنات الأولى لإعادة بناء الذات والهوية الوطنية التحررية الجنوبية، وهدم شعارات وأوهام الوحدة.
متأثراً بالوعي الوطني الجماعي والنضج السياسي الذي تخلّق في رحم المآسي، التحق الشهيد بصفوف الثورة والحراك السلمي الجنوبي، وكان داعماً للمقاومة الجنوبية المسلحة في مراحلها المتطورة. عاد إلى العمل في مطار عدن الدولي عام 2003م، وبدأ كضابط نوبة، ثم تدرج إلى ضابط قيادي ومسؤول أمن الشحن حتى لحظة استشهاده يوم الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016م، الساعة الثانية عشرة ظهراً.

كان الشهيد دائم المرح، بشوش الابتسامة، يبدو لمن لا يعرفه جيداً أنه إنسان سعيد، خالٍ من المشاكل والمآسي. وحين تعاشره عن قرب تجد في جوهره روح إنسانٍ حرثتها أنواع شتى من الشقاء والمحن والمتاعب والأحزان، لكنه ظل مؤمناً بالأمل، واثقاً في تجاوز الكوارث، راسخاً في مبادئه، ومتمسكاً بقواعد الاحترام والكياسة والمودة.
أثناء أداء الواجب المهني وفي سلوكه العام، كان يشعر كل من حوله بأنه مسؤول ليس فقط عن ذاته، ولكن أيضاً عن واجباته والمجتمع من حوله، وأن رجل الأمن مرتبط ارتباطاً عضوياً بقضايا وهموم وخدمات مجتمعه ووطنه.
الشهيد عبد الرحيم الصماحي لم يكن مجرد رجل أمني محترف، بل كان نموذجاً قيادياً ومعلماً ملهماً لكل من حوله، في نبل السجايا، ومكارم الأخلاق، والانضباط المهني، والشعور الرفيع بالمسؤولية، وفي عمق وأصالة الانتماء والولاء والوفاء لوطنه وشعبه ومشروعه التحرري.