يكتبها / بكيل الجحافي
قصصٌ حربية خالدة من يوميات وبطولات المقاومة الجنوبية ... أول دبابة امتلكتها المقاومة الجنوبية بجبهة الضالع.
قصَّتنا اليوم تحمل عنوان قصَّة اول دبابتين امتلكتهما المقاومة الجنوبيَّة في الضالع، وهي تقع في ثلاثة اجزاء تروي كيف استطاع الأبطال إعادتهما إلى أحضان المقاومة الجنوبيَّة بعد 21 عامًا من حرب صيف 1994م الظالمة على شعب الجنوب، والتي شكّلت بقسوتها وآلامها مصدر إلهام لشعب الجنوب لاستعادة أرضه من قوى الاحتلال اليمني.. أنَّهَا باختصار أساطير خالدة «فى حُبِّ الوطن»، الذين عشقوه عدد قطرات دمائهم.. إنَّهم حقًا شهداء ضحوا بأرواحهم من أجل الدفاع عن دينهم ورفعة وطنهم.
✪ الجزء الأوَّل قصَّة الدبَّابة (تي ـ 55 ـ T ):
يتساءل الكثير من المتابعين ليوميات حرب 2015م كيف عادة هذه الدبَّابة إلى أحضان أبطال قوَّاتنا الجنوبيَّة..؟ من أين قدمت ..؟ ومن كان قائدها..؟ ومتى أطلقت أوَّل طلقة على العدوِّ الحوثي والجيش الموالي لها..؟ وإلى أين بالضبط وكيف كانت ردَّت فعل العدوّ الهسترية..؟ وكيف استقبلها أبناء الضالع..؟ وماذا كان موقف الشهيد القائد ـ علي أحمد محمد ناصر الجمل الشهير باسم (علي الرجال) عندما شاهدها..؟ وكم هي كمية القذائف التي أطلقتها في استهداف معسكرات ومواقع مليشيات العدوّ الحوثي والجيش الموالي لها.. ؟ وكيف رجّحت كفّة الحرب وغيّرت المعادلة وساعدت في صنع النَّصر الأكبر صَبِيحَة يوم الخامس والعشرين من شهر أيَّار (مايو) 2015..؟ أسئلة سنجيب عليها في هذه الحلقتين، التي نسرد فيهما أحداث وأبطال عاشوا القصَّة قبل أن تتحول إلى سطورٍ أدبية خالدة، حيثُ إنَّنا نعرض لكم بين هذه السَّطور أدق تفاصيل الأحداث ومآثر أبطالنا صُناع النَّصر العظيم، الذين خلدهم التاريخ، فهذه الأحداث تراوحت بين الألم والأمل والنَّصر المصحوب بطرد الغزاة.
✪ عوامل النَّصر المؤزر:
لقد كان لانتصار أبطال المقاومة الجنوبيَّة في الضالع صَبِيحَة يوم الإثنين الخامس والعشرين من شهر أيَّار (مايو) عام 2015م على مليشيات الحُوثي والجيش الموالي لها، بداية الانكسار للمشروع الحُوثي في المنطقة، وذلك بعد 21 عامًا من غزو واحتلال الجنوب في حرب صيف 1994م، عندما كان النَّصر نسيجًا من خيوط الدم الضالعية معقودًا على بنادقهم موثوقًا بحبل الله، الذي تجلى مبكرًا في هيئة قائدًا قاهرًا بشموخه، وهو القائد الفذ ـ عيدروس الزُّبيدي، القائد الأعلى للمقاومة الجنوبيَّة، فقد كان قائدًا مُلهمًا وزعيمًا شعبيًّا،و
المناضل ـ عبدالله حسين الأزارق والذي سنواصل قصته في الجزء الثالث ، الذي لعب دور في وصولهما.
فبعد طول كفاح وحروب وتضحيات كانت من أهم عوامل النَّصر لصناعة هذا اليوم العظيم وانكسار أدوات إيران بالمنطقة.
دور الشهيد اللواء الركن ثابت جواس
✪
أبو ردفان ودبَّابة النصر:
استطاع أبناء ردفان الشموخ والبطولة إعادة اتّجاهها الصحيح وشَقَّ لها القائد المدفعي العقيد ـ علي ناصر المعكر، ورفاق دربه عبورًا عظيمًا إلى مرتفعًا ضالعيًا مشرفًا ومحيطًا بكلِّ مواقع ومعسكرات العدوّ.. قذف تموضعها الاستراتيجيّ في موقع الدُّريب غرب مدينة الضالع على وجه التحديد كل عناصر الفجيعة الفجائية إلى قلوب جحافل الغزاة من مليشيات الاحتلال (الحُوثيي ـ عفاشية)، فقد كانت قلب الضالع الجسور، كيف لا وهي أوَّل دبَّابة في سلاح المقاومة الجنوبيَّة وبأي طريقة كانت على التاريخ أن يروي قصَّتها في ألفٍ وخمسمائة ساعة حرب وكيف واجهت خمسين دبَّابة للعدوّ..؟ إنَّها دبَّابةٌ روسية الصُنع يتجاوز عمرها عُمر قائدها العقيد أبو ردفان، فمن مرتفع الدُّريب الذي يبلغ ارتفاعه ألف وستمائة وستة وستون مترًا عن سطح البحر، قسمت انتشار قوَّات الاحتلال إلى مربعات.. معسكرات ومواقع وقوَّة بشرية تصل حوالي إلى عشرة آلاف مُقاتل.. مالم تراه عاصفة الحزم كان في مرمى طاقمها.. راجمات صواريخ مصغرة دمرتها.. سلاح الأرض المحروقة شيلكا احرقتها أيضًا.. هي دبَّابةٌ جنوبيَّة كانت ضمن سلاح الدروع للجيش الجنوبي الذي كان.. عادت إلى أصلها على مرتفعٍ يطل على مدينة الضالع من جهة الجنوبيَّة الغربيَّة.. ترى الغرباء الغزاة ولا يرونها، فقد تحوّلوا إلى أهدافًا عسكرية ثابتة ومتحركة في مرمى متناولها، أذاقتهم مرارة ما ذاقوه من عاصفة الحزم..
✪ صار الجميع ماهرًا في قيادتها:
ومن قصَّة أوَّل دبابة جنوبيَّة في سلاح المقاومة الجنوبيَّة بالضالع، فأنَّها كانت دبابةٌ عتيقة وبمواصفات فنيَّة تعمل بمنظومة بصرية نهارًا وأشعتها الحمراء الليلة معطلة، لكن قائدها أبو ردفان دوّن الأهداف الليلية نهارًا وابتكر لها جهاز تسديد فارق الارتفاع يُضرب في اثنين والنتيجة يقسمها من المسافة المحددة.. هكذا حوّل أبو ردفان الدبَّابة إلى أكاديميَّة عسكرية للشباب المدنيين من طاقمها، حيثُ صار الجميع ماهرًا في قيادتها وعلى رماية مدفعها أيضًا، فهذه الدبَّابة ليست كدبابةِ دار البشائر التي وسِعت أكبر كذبة في التاريخ العسكري؛ بل إنَّها دبَّابة جنوبيَّة واجهت ثلاثون موقعًا عسكريًا.. أمَّا القذائف التي استهلكتها فهي أكثر بكثير من القذائق التي استهلكتها ما تُسمَّى بثورة أيلول (سبتمبر) 1962م، ضدّ النظام الإمامي في صنعاء اليمن.. في صباح الخامس والعشرين من أيَّار (مايو) وبكلِّ حفاوةٍ سار أبناء الضالع بموكب دبَّابتهم، حيثُ عانقوا طاقمها عناق الأبطال، فقد خرجت النساء والأطفال والشيوخ في استقبالها في الشارع العام لتصعد على مرتفع العرشي وتقصف الأعداء في موقع مستشفى السلامة في مفرق الجمرك وهم يجرون أذيال الهزيمة والخزي والعار.
✪ ردفان الخلفية والمدد للضالع عبر التاريخ:
عند سقوط القطاع العسكري الغربي في ردفان وهروب ضباط وجنود الاحتلال اليمني في 17 آذار (مارس) 2015م وسيطرت أبطال ردفان على القطاع بكافة أسلحته الثقيلة والمتوسطة، شكّل قوَّة ومعنوية عالية وخطّ رجعه بالنسبة للضالع، وأضاف لها قوَّة وعزيمة وثقة على التحدي والصَّمود وعدم الاستسلام للمشروع الإيراني الحُوثي، ذلك المشروع الذي فرض أمر واقع على اليمن واتّجه نحو الجنوب وأراد من الضالع أن تكون جسر عبور إلى العاصمة عدن...
✪ (الضالع).. خالدة على الزمن:
منذُ صَبِيحَة 24 آذار (مارس) 2015م، كان السلاح المتوسط والخفيف هو من يواجه قوام ثلاثة ألوية مدرعة بقوَّة بشرية تتكوّن من حوالي عشرة آلاف جندي يمني، كانوا يحاولون جميعًا وبكلِّ ما أوتوا من قوَّة العبور من الضالع ليلتحموا بقواتهم المسيطرة على قاعدة العند الاستراتيجيَّة والعاصمة عدن، وهُنا جاء دور ردفان الثورة والمدد كما ذكرنا، فالجميع كان يُدرك ويثق أنَّها لن تترك الضالع بوابة الجنوب الشماليَّة، حيثُ كان لحنكة القائد أبو قاسم الزٍُبيدي، القائد الأعلى للمقاومة الجنوبيَّة آنذاك وتحركاته الدؤوبة إلى القائد اللواء والشهيد ثابت مثنى جواس، رحمه الله لطلب الدعم بالسلاح الثقيل لجبهات الضالع المشتعلة حتَّى تواصل التصدي والصمود للغزاة وتكون الحصن المنيع للجنوب، وعلى الفور لبى الشهيد البطل اللواء جواس الطلب وكان مصدر الكثير من الدعم اللوجستي للضالع
✪ لحظات الاستقبال:
في تمام الساعة التاسعة من صَبِيحِة يوم الإثنين 30 آذار (مارس) 2015م، وصلت دبَّابتان قتالية من القطاع الغربي في ردفان إلى نقيل الربض لدعم جبهات الضالع المشتعلة، وبعد ساعة من وصولهما، قام العقيد ـ علي ناصر المعكر، وبمعية رفاقه والأخ عبداللطيف الأزرقي وعبدالحكيم هرول وقاسم أحمد مقبل والمساعد ـ حزام صالح علي والمساعد ـ ناجي محمد عبدالله وفضل عبدالله محسن والعميد ـ علي محمد الكحيل وعبدالله أحمد مسعد واليافعي عبدالله مجمل وعلي دلوخ وصالح البكري، وبأمر من القائد ـ أبو قاسم الزُّبيدي اعتلوا بُرج دبَّابتهم بكلِّ لهفة وشوق وحماس منقطع النظير، وعند الثانية عشر ظهرًا، كانت الدبَّابة تُشرف على قرية الحجر منطقة زُبيد، وفي هذه الأثناء أوقف القائد ـ أبو ردفان الدبَّابة على بُعد عشرة أمتار على مرأى مواقع العدوّ، وكانت إذا أقتربت منها فستكون هدف مباشر وفي مرمى العدوّ المتربص بها من مواقع الخزان المطل على معسكر الجرباء والذي كان ما يزال تحت سيطرتهم ويمتلك مختلف أنواع الأسلحة القادرة على الفتك بالدبَّابة، وفي هذه اللحظات كان القائد ـ أبو قاسم الزُّبيدي، قائد عسكري لا يحبّ المغامرة وينظر بتأني ولديه بُعد نظر في مثل هكذا أمور، فقد تواصل الزُّبيدي تلفونيًا بالقائد أبو ردفان لكي يشعره بأن لا يقتربوا وبأمكانه أن يعود هو وطاقم الدبَّابة إلى زُبيد في الوقت المناسب، فالمغامرة ستكون خسارة كبيرة وفادحة.. من جانبه أبو ردفان ومن مسافة قدرها 1500 مترًا تقريبًا، أيّ من جانب قرية الحجر وحتَّى ظهورها على مدينة الضالع، كان أمامهم مغامرة خطرة، فتلك المسافة مكشوفة وواضحة للعدوّ المترقب بها، لكنَّ التحدي الذي كان يحمله العقيد ورفاقه أكبر من كل ذلك، فقد تناول وجبة الغذاء وجلس بعض الوقت يفكر ويتدارس الموقف والمسافة واتّخاذ القرار المناسب، وأخذ ثلاث ساعات من وقتهم ومشى أبو ردفان ورفاقه سيرًا على الأقدام وهم يقطعون المسافة بحثًا واستكشافًا ليجدوا في منتصفها وبالتحديد مفرق قرية الكُرب وجدوا مكان إذا وصلت إليه الدبَّابة فسيكون محميًا بتبة أمامها، وفي مأمن من مواقع الخزان فقرَّروا أن تتحرك الدبَّابة إلى هذا المكان كمرحلةٍ أولى..
✪ أوَّل طلقة:
في تمام الساعة 3:20 عصرًا وقت آذان وصلاة العصر، كان قائد وطاقم الدبَّابة الأشاوس يصعدون عليها متوكلين على الله الواحد الأحد، حيثُ انطلقت الدبَّابة بسرعة فائقة لتصل إلى المكان المحدد دون أن تتعرض لأيّ استهداف من مواقع العدوّ، فرجالِ مقاومة الضالع الثائرين، كانوا يتجمعون في نفس اليوم ويحتشدون في محطة الوداد ابتهاجًا بقدوم الدبَّابة وشوقًا لرؤيتها وخاصةً الشباب، حيثُ كان الجميع منصتين لصوتها، ويترقبوا ظهورها على مدينة الضالع، ولم يكن احدًا يعلم ما يدور ويخطط له طاقمها بهدوءٍ وسكينة، وكان الجميع يترقب تحرك وقدوم الدبَّابة بما فيهم الأعداء، وفي تمام الساعة 4:45 مساءً من ذلك اليوم، سُمع دوّي انفجار هائل يتردد صداه إلى الجبال المحيطه بقرية الكُرب، وفي اللحظة نفسها كانت أعمدة الدُّخان الكثيف تتصاعد في وسط موقع الخزان قرب دبَّابتهم مع سماع انفجار قوَّي بالموقع، وكان العميد ـ محمد صالح الشاعري من ضمن المحتشدين بمحطة الوداد يصرخ:" الله أكبر الدبّابة التابعة لنا قصفت موقع العدوّ"، وكان الناس بين مصدقٍ ومندهش لِمّا قاله العميد الشاعري، ففي الساعة الرابعة وثمانية وأربعين دقيقة، أيّ بعد أربع دقائق فقط كان الانفجار الثاني يتردد صداه من نفس المكان وأعمدة من الدُّخان الكثيف تتصاعد من نفس المكان، الذي تتمركز فيه دبَّابة العدوّ وسط موقع الخزان ليتيقن الجميع أنَّها الضربة الثانية فعلاً، وحينها كبّرنا وكبرت الضالع أجمع واقشعرت الأجساد ونزلت السكينة وصار الكل يهرع نحو مواقع الخزان..
✪ ردّة فعل العدوّ الهستيرية:
بعد تلقيهم الضربة الثانية بثوانٍ فقط حدث ما لم يكن في الحُسبان..! ومالا نتوقعه، رغم أدراكنا لهمجية العدوّ وإرهابه وردَّت فعله الهستيرية، فلم يتبقَ في تلك اللحظات من موقعٍ للعدوِّ إلَّا وقد أفرغ نار غضبه في كل اتّجاه مستهدفين كل حركة في الطرقات والمدينة، حيثُ حوّلوا المكان الذي تتواجد فيه الدبَّابة الجنوبيَّة إلى حممٍ بُركانية متصاعدة وانفجارات هائلة على قرية الحجر والجبال المحيطة بها، وبعد نصف ساعة تقريبًا لا شيء غير دوّي الانفجارات القوَّية وسحب الدخان المتصاعدة من مكان تواجد الدبَّابة الجنوبيَّة، وفي هذا الموقف العصيب أتذكر سماعي الجميع وهم يرددون:«أصحابنا الله يرحمهم سينتهوا هم ودبَّابتهم.. الكل انسحب من محطة الوداد ليعودوا إلى متارسهم بالمدينة ولا أحد يعلم مصير الدبَّابة وطاقمها ماذا حدث لهم..؟»، فقد ساد المكان صمت القبور.
✪ وصول الدبَّابة مدينة الضالع:
في صَبِيحَة اليوم الثاني وتحديدًا عند الساعة العاشرة وأربعين دقيقة تقريبًا، أقبلت الدبَّابة الجنوبيَّة، وهي ترَّجَ الأرض وزمجرتها تملأ المكان، تشبه زمجرة الوحوش، ودخانها الأزرق الكثيف شكّل عمودًا من الدُّخان يتصاعد في السَّماء.. هكذا مرَّت أيقونة المقاومة الجنوبيَّة من أمام محطة الوداد بسرعة فائقة وبكلِّ هيبةٍ وشموخٍ لتصل مثلث الموت في (حبيل جُباري)، وتستدير باتّجاه طريق جحاف ـ الأزارق إلى قرب محطة الأزارق، ومن هذه النقطة اتّجهت غربًا نحو طريق الحميراء عبر وادي الدرجة، حيثُ كان في استقبالها القائد الفذ ـ علي الرجال، عند مصرف مياه الحميراء حيثما يوجد موقع تمترسه، الذي كان يرابط فيه ليلَ نهار مع رفاق دربه، وفي لحظة كهذه لم يتمالك نفسه ولم أراه مثلها قطَّ منذُ عرفته وهو يرقص أمامها رقصة المحارب البطل العظيم ليصعد على ظهرها ويرفع يداه يشكر الله وأصابعه تشير كعادته إلى عبارة:«فإما النَّصر وإما الشَّهادة»، ولم يكن أحد يعلم أنّ ساعة واحدة فقط هي كل ما تبقى من حياة وعُمر ذلك القائد العملاق وأن رقصته هذه كانت رقصة النَّصر والوداع الأخيرة.
✪ لحظات دكَّ وتحطيم مواقع العدوّ:
في لحظة وصولها مصرف مياه الحميراء كما أسلفنا، وصل القائد ـ عيدروس الزُّبيدي ورفاقه ليتم وضع الدبَّابة في مترسها الجديد بين الأشجار ليدير القائد أبو ردفان بُرجها مباشرة نحو سور وحصن موقع المضلوم المطل على قرية الدقَّة الحُود، ذلك الموقع التي تتمركز بداخله آلة القمع والطغيان العسكرية منذُ عشرين عامًا، وعند تمام الساعة الحادية عشر وخمسين دقيقة ظهرًا بدأت الدبَّابة الجنوبيَّة ضرباتها المتتالية بدكِّ موقع المظلوم والمجمع التربوي ومواقع الخزان، وقد أحدثت دمارًا هائلاً في مواقع العدوّ المستهدفة، وهي لحظات لم تكن بالحُسبان بالنسبة للعدوِّ ولم يتوقعها منذُ حرب اجتياح الجنوب في صيف 94م، بالإضافة إلى استهداف دوشكا موقعي مدرسة الحميراء وعيفر التابعة للقائد ـ ناصر مسيعد والشهيد ـ محمد فضل جُباري.. في تلك اللحظات كان القائد أبو قاسم ورفاقه والقائد علي الرجال ومجموعته من الأبطال ينطلقون لاقحتام موقع المظلوم، ففي الساعة الثانية عشر وعشرين دقيقة.. القائد علي الرجال ورفاقه اقتحموا قمَّة موقع المظلوم وكان آخر اتصال للقائد علي الرجال ورفاقه يقول فيه:"أوقفوا الضرب بالدبَّابة أنا فوق الثلاثة والعشرين التابع لهم.."، بعدها سمعنا صوت اشتباكات بالأسلحة الشخصيَّة والقنابل اليدوية، وانقطع الاتصال بالقائد علي الرجال ورفاقه، ولقد نجا من عاد من المعركة نحو الأسفل، فتنهد العائدون ليرووا لنا قصّصهم وما حدث من مأساة المكر والخداع وندامة الاستعجال والتسرع والتي جعلها الله تعالى أسباب لاستشهاد الشهيد ابن الشهيد القائد ـ علي الرجال وبعض من مجموعته، ودومًا هكذا يسطر شهداء الوطن صفحات خالدة فى تاريخه، تحكى تاريخًا من البطولة لكلِّ الأجيال.
✪ معركة المظلوم وتغيير استراتيجيَّة الحرب:
عاد القائد ـ أبو قاسم الزُّبيدي والذي كان هو الآخر قد وصل قاب قوسين أو أدنى من قمَّة موقع جبل المظلوم لولا لطف الله لما خرج من هناك سالمًا، حيثُ عاد إلى موقع تمترس الدبَّابة غير مستوعب لِمّا حدث، فقد كان الموقف بالنسبة له خسارة وفاجعة كبرى للضالع والجنوب أجمع بخسارة العديد من الأبطال في معركة السَّيطرة على موقع المظلوم.
وهكذا تحوّل اليوم الأبيض من تاريخ الضالع إلى نكسة وخسارة وتغيّرت المعادلة وموازين الحرب، ففي لحظة استشهد علي الرجال، التي كانت فاجعه كبرى وخسارة لا تعوض.. كيف لا ونحن نعيش الأربعاء 1 نيسان (أبريل) يوم قدوم الدبَّابة الجنوبيَّة، وهي تدكَّ المجمع والأمن المركزي وموقع المظلوم ومواقع الخزان والعدوّ يتقهقر وأبطال الضالع يقتحمون لواء عبود وشباب الرباط وغول بن صُميد، يهللون ويكبرون على ظهر دبَّابة موقع الخربة ويتم اغتنام ذخائر وسلاح الموقع وفي نفس اللحظة كان القائد علي الرجال، رحمه الله يطلب من رفاقه التقاط صورة وهو فوق سلاح الثلاثة والعشرين في أعلى قمَّة المظلوم كأجمل لحظات عُمره ولم يكن يعلم أنَّها آخر لحظة في حياته، فقد كان استشهاده يوم الأربعاء الموافق 1 نيسان (أبريل) عند الساعة الحادية عشر والنصف ظهرًا، هو وسبعة من رفاقه وعاد القائد ـ عيدروس الزُّبيدي إلى موقع الدبَّابة الجنوبيَّة والذي كان هو الآخر حزامه الواقي متفرقع من أثر الرصاص وعليه علامات الحزن، فقد (كُنت شاهد عيان على هذه اللحظة العصيبة).
وهُنا كان لا بدّ من التغيير في استراتيجيَّة الحرب، فالعدوِّ ليس منهارًا كما توقع الجميع ولا بدّ للدبَّابة الجنوبيَّة الوحيدة أن تبرح مكانها لتكون في مأمن، وفي نفس الوقت كان عندها القدرة على تحمل العبء الثقيل والدور العظيم في مواجهات الغزاة، وفي ذلك اليوم اجتمع قائد المقاومة الجنوبيَّة ـ عيدروس الزُّبيدي، تحت ظل شجرة بقائد الدبَّابة أبو ردفان وعشرات المقاتلين وكان لقائد الدبَّابه أبو ردفان المشورة والدراية والصلاحية لاختيار الموقع والمكان المناسب الذي يجب أن تتمترس فيه الدبَّابة بعيدًا عن أنظار العدوّ..