عدن.. في ذكرى تحريرها العاشرة
في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 2015، شهدت العاصمة عدن حدثًا تاريخيًا فارقًا، حيث تمكنت المقاومة الجنوبية من طرد المليشيات الحوثية من المدينة، معلنة بذلك تحريرها وعودة الاستقرار و الأمل لأهلها بعد أشهر من المعاناة والمواجهة، هذه اللحظة تُعدّ واحدة من أبرز محطات النضال الجنوبي، لكنها لم تكن خالية من التحديات، على الرغم من أن تحرير عدن كان نصرًا عسكريًا كبيرًا، فإن الواقع الذي تلا هذا التحرير كان مملوءًا بالصعوبات والمعوقات، أبرزها ظهور تنظيمات متطرفة مثل تنظيمي القاعدة وداعش ، الذي حاول استغلال الفراغ الأمني لإقامة مواقعه وتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية حيث شهدت العاصمة عدن خلال العام ٢٠١٦م اكثر من ٥٠ عملية ارهابية، ومن ثم، تتابعت النجاحات والتحديات حتى تمكّنت الأجهزة الأمنية الجنوبية من تطهير المدينة من هذه العناصر، ليبدأ بعدها فصل جديد من الاستقرار والازدهار في العاصمة عدن.
*نجاح المقاومة الجنوبية في طرد المليشيات الحوثية*
كان تحرير العاصمة عدن من المليشيات الحوثية نتيجة لوجود مقاومة جنوبية شجاعة من قبل أبناء الجنوب، الذين استمدوا قوتهم من إرثهم النضالي وتاريخهم في مواجهة الاحتلالات، كانت العاصمة عدن قد تحولت إلى ساحة معركة كبيرة بين المقاومة الجنوبية وبدعم من التحالف العربي وبين المليشيات الحوثية المدعومة من إيران.
بدأت المقاومة الجنوبية في تحرير عدن عبر عدة جبهات، حيث تقدمت نحو المواقع الحوثية بكل عزيمة، فكانت البداية في أواخر مارس 2015، حين اجتمع رجال المقاومة الجنوبية واستطاعوا في فترة قصيرة أن يحققوا تقدمًا كبيرا في تحرير مطار عدن الدولي وبقية مديريات العاصمة عدن .
لم يكن هذا التقدم العسكري سهلًا، فقد واجهت المقاومة صعوبة معركة شرسة ضد المليشيات الحوثية المدعوم لوجستيًا بالأسلحة الثقيلة، لكن في المقابل، كانت عزيمة المقاومة الجنوبية غير قابلة للانكسار ، حيث تمكنت القوات الجنوبية من السيطرة على كامل المرافق والمؤسسات الحيوية في المدينة، حتى تم تحريرها بشكل كامل في 27 رمضان 2015، وأصبحت عدن رمزًا لصمود شعب الجنوب وعزيمته.
*عدن بعد التحرير: تحديات التنظيمات الإرهابية*
على الرغم من أن تحرير عدن كان انتصارًا كبيرًا، إلا أن المدينة كانت في وضع معقد بعد الانتصار العسكري، إذ لم تقتصر التحديات على الوجود الحوثي، بل ظهرت تحديات جديدة تمثلت في ظهور عناصر تنظيم القاعدة وداعش ، التي استغلت الفراغ الأمني في المدينة للتمركز فيها.
كان تنظيمي القاعدة وداعش قد بدأ في التسلل إلى عدن بعد تحريرها، مستغلًا ضعف الأجهزة الأمنية وانشغال الدولة بعملية استعادة المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية، ومن ثم، قام التنظيم بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية ضد القيادات العسكرية والأمنية الجنوبية، بما في ذلك اغتيالات طالت ضباطًا رفيعي المستوى ورجال أمن بارزين.
ففي الأشهر التي تلت التحرير، شهدت عدن موجة من الاغتيالات التي استهدفت شخصيات عسكرية وأمنية، مما زاد من تعقيد الوضع الأمني في المدينة، كان من أبرز هذه العمليات استهداف الرئيس عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد الاعلى للقوات المسلحة الجنوبية واللواء شلال شائع مدير امن العاصمة عدن السابق ، رئيس حهاز مكافحة الارهاب حالياً، بالإضافة إلى محاولات تنظيم القاعدة لتوسيع نفوذه في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.
*تطهير عدن من عناصر تنظيم القاعدة*
لكن القوات المسلحة الجنوبية لم تستسلم لهذا الوضع الأمني المعقد. وبفضل الدعم العسكري من التحالف العربي، بدأت عملية تطهير العاصمة من العناصر المتطرفة, ففي عام 2016، شنت الأجهزة الأمنية الجنوبية حملة امنية مكثفة، تمكنت خلالها من تطهير معظم المديريات التي كانت تحت سيطرة القاعدة، مثل مدينة المنصورة والشيخ عثمان وحي البساتين هذه العمليات العسكرية أسفرت عن قتل واعتقال العديد من عناصر التنظيم، وتمكنت القوات الجنوبية من استعادة السيطرة الكاملة على العاصمة.
كما تم تنفيذ العديد من العمليات الاستباقية ضد الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة، وهو ما ساعد في تأمين عدن بشكل تدريجي، مع الاستمرار،في تشكيل وتأهيل الأجهزة الأمنية ، حيث لعبت دورًا محوريًا في حفظ الأمن والاستقرار، والعمل على القضاء على كافة الخلايا المتطرفة التي كانت تهدد السكينة العامة.
*الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي في عدن اليوم*
اليوم، وبعد مرور عشرة أعوام على تحرير عدن، يمكن القول بأن العاصمة عدن شهدت تحولًا كبيرًا على كافة الأصعدة، فعلى الرغم من التحديات التي مرت بها المدينة، فقد تمكنت القوات المسلحة الجنوبية من توفير بيئة أمنية مستقرة إلى حد كبير، مما جعل المدينة تُنعم بالأمن والاستقرار الذي كانت تفتقر إليه في السنوات الأولى بعد التحرير.
تشهد عدن حاليًا طفرة في المشاريع الاقتصادية والإنمائية، حيث تم فتح العديد من المحال التجارية والمولات والشركات، وعادت الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها تدريجيًا.
لقد أثبتت القوات الجنوبية قدرتها على إعادة الحياة إلى عدن من جديد، وتحقيق الأمن في المدينة، مما جعلها اليوم واحدة من المدن الأكثر استقرارًا في الجنوب بعد سنوات من الفوضى والارهاب الممنهج.
إن الذكرى العاشرة لتحرير العاصمة عدن هي لحظة عظيمةيحتفل بها شعب الجنوب من باب المندب شرقاً وحتى المهرة غربًا ، ويذكر العالم بأسره بتضحيات أبناء الجنوب في سبيل استعادة أرضهم ودحر الاحتلال وتلقين التنظيمات الارهابية دروسا قاسية على الرغم من التحديات الكثيرة التي واجهتها عدن بعد التحرير، فإن ما تم إنجازه من استقرار أمني وازدهار اقتصادي يعد إنجازًا كبيرًا يعكس قدرة شعب الجنوب على النهوض والتطور، مهما كانت الصعوبات.
من المؤكد أن الذكرى العاشرة لتحرير عدن ليست مجرد ذكرى عابرة، بل هي تأكيد على استمرار نضال الشعب الجنوبي من أجل البناء والتقدم، وعلى قدرة قواته المسلحة والأمنية في حماية أمنه واستقراره، مع الحفاظ على إرث النضال والتضحية الذي لا يزال مصدر إلهام لأجيال المستقبل.